شعرك طويل!


كُنت فيما مضى.. مُسيرًا في حلق شعر رأسي، إنطلاقًا من المدرسة، مرورًا بالمنزل، ونهاية بالمجتمع!
كُنت في كل بداية عامٍ دراسي، اخضع لنفس الطقوس عند اول يوم في ذاك الممر عند غُرفة إستلام الكُتب والمعلم يقول لي:
- " شعرك طويل، احلقه اليوم.. وتعال غدًا لإستلام الكُتب! "

مع انهُ لم يكن بذاك الطول، إلا انّ هذه هي القوانين، والقوانين قوانين..
نعم، توجهت في نفس اليوم للحلاّق، لأمارس كل الطقوس الغريبة مع شعري، قبل وبعد قصه.. بذريعة إستلام الكُتب الدراسية، في الحقيقة انا لهذا اليوم لا اعلم ماهي العلاقة بين شعري، والكُتب؟
هل مثلًا عندما اقص شعري، سيصنع منه المزيد من الكتب؟ او انهُ مثلًا قد يكون لشعري ضررُ على الكُتب؟
لا اعلم، ولكن ماذا لو لم احلقه يومها؟ هل سأحرم من الكُتب حقًا؟!
حينها، وُلد في داخلي هاجس، بل انهُ كان كنصف طموح، او هدف.. اسعى له.. كُنت فيما مضى -ايضًا- ، اسعى لجعل الجيل القادم من شعري يعيش لأطول فترة ممُكنه، بل كُنت اريده ان يتمدد، ويمتد في كل مكان من رأسي، على كتفي، بين اذني.. كل شُيء.. 

تمردتُ حقًا وفعلتها ذات يوم.. اعطيت شعري الاسود الوقت الكافي كي ينمو.. طال، وطال.. حتى انهُ تعدى كتفي المُنهم..
وعندها، قد انهيت الدراسة بكثيرٍ من الإنتقادات، كان اهمها في حفل تخرجي، عندما اتيت لإستلام درعي التكريمي ليهمس في اذني ضيف الحفل احد اهم رجال التعليم في مديتني قائلًا بإستياء:
- " شعرك طويل جدًا، لا يصح ذلك! "

تجاهلته مبتسمًا للكاميرا، ثم اردفت قائلًا:
- " ابتسم من اجل الصورة، شكرًا. "
نعم.. هذه الإنتقادات وفي مثل هذه الاوقات، ربما يواجهها صاحب "الشعر الطويل" هُنا.

اكملَ شعري مسيرته، بدعمٍ مني.. ولطموحٍ اخفيه عن الجميع.. 
وفي كل مرة -تقريبًا- كانت تُوجه لي إنتقادات حوّل شعري، في كل مكانٍ.. القليل فقط قد يُثني بقوله، او يصمت!
اكملتُ.. وكأنني اصمُ لا اسمعهم.. 
حتى وصل شعري مُنتهاه، وبدأ بالهرم من إنتقاداتهم، اراد الإنتحار بكل صمت، طلب مني ذلك بكل أدب.. لأخذ المقص، واقص معظم اطرافه لأجعل منه حيًا ميتًا، ولأترك جذوره تعيش.. بأطرافٍ مقصوصة!

قصة شعري ليست هي محور القضية، وليست هي القضية في الأساس ما اردتُ إيصاله:
المظهر الشخصي، او الخارجي.. ملكٌ لصاحبه، لا يحق لأحد التحكم بهِ ايًا من كان..
ليس من الضرورة ان يكون المظهر الخارجي مترجمًا لمعتقدات الإنسان، او افكاره.. بالتأكيد هذا ليس دافعًا لأن ننبذ شخصًا لشكله الخارجي فقط!
او لشعره، او لما يرتدي من ملابس، او ما يضعه من عطور!
إن كانت المحرمات في ديننا احد اجزاء مظهري الخارجي، وليست في تصرفاتي.. فلا بأس بالنصيحة، والإنتقاد وقتها..
ولكن السؤال.. هل كانت الشعر الطويل احد المحرمات يومًا؟!!

ولكَ عزيزي القارئ ان تقيس الكثير من الاشياء على هذا الشعر.



***


المقالة في صحيفة مكة )

تعليقات

المشاركات الشائعة