حداد على روح نبته.



خرج حاملًا حقائبه لمحطة القطار، وهو يتسائل: ألا يوجد محطة آخرى تقُلنا للموت مباشرةً؟
كان يشعر بأنه يود الخروج من كل شيء، والبدء من جديد.. فلطالما راودهُ حلم التجدد، والتبرعم مرة آخرى.. إلا أنه لم يحدث مرةً أن أزهر من جديد.. لقد ذبل مرة واحدة وهذا ما حدث.. كان يضحّك في كل مرة يتذّكر أن المزيد من الحياة يعني المزيد من الذبول، والمآسي.. إلا أنه في الوقت نفسه، يتذّكر أنه تلقى الضربة القاضية، ومعاد فيه من شيء ليذبل اساسًا، وهذا ما كان يصوّر انهازمة في شكل لا مبالاةٍ بائسه. بالمناسبة هو يبدو بائسًا جدًا، لأنه ومع كل ما تعرض له، يشعر بالخوف احيانًا ليس على نفسه الميتّه، لا، ربمّا كان خوفه متعلقًا بالارض التي احتضنته كبذرة بادئ الامر، او ربما كان ذلك الخوف متعلقًا بالبذور الاخرى، لا يهم على اي حال ما اسباب خوفه وعلى من يخاف بالضبط.. المهم هو أنه يشعر بالبؤس بسبب خوفه هذا.

يتفكّر فيما حوله، ويتسائل هل استطيع الازهار مرة آخرى؟ لتقع عينه مصادفةً على الرجل القامع امامه في مقعد القطار، حيث انتصبت صورة رجله المكسورة امام عينيه المغيبة في فراغ افكاره، مما دعاه للتساؤل مرة اخرى: هل سأجبر كما حال هذا الكسر؟ اوليست نهاية كل الكسور الجبر؟ او ربما معضمها؟ ولكن شتان بين الكسر، والذبول.. لتقع عينه بشكل غير مقصود علي يد طفلٍ يعيد شحن جهازه النقّال، ويتسائل مرة آخرى، ألا يمكن أن اُشحن كما حال الاجهزة النقالة.. اه، لم يستطع وقتها فهم علته تحديدًا، اهو كسرٌ يحتاج لجبر، ام نقصُ طاقةٍ يحتاج لشحن، او أنه ذبولٌ لا طائل من شفاءه.

وصل غرفته الصغيرة، يفتح بابها الذي لطالما ادخله عوالمًا آخرى من العزلة، والنسيان المؤقت.. لتقع عينه مباشرةً على نبتته الصغيرة، وقد ذبلت تمامًا.. ليجد الجواب في ذبولها الصارخ، اوراقها المتساقطة، ولونها الباهت.. كانت هي الجواب قطعًا، حتى قبل محاولاته في انعاشها بالماء.. كان يسقيها الماء ببذخٍ حد الغباء، ويفتّش ما إن كان هُناك اي شكل خاص من اشكال العقّار قد يعيد للنبته حياتها، إلا انها ماتت، وهذا ما جعله في حقيقة الامر يقيم مراسم الحداد، ليس على روحها فقط، لا، بل على روحه ايضًا.






تعليقات

المشاركات الشائعة